نادي الزمـــالــــــك وتمــصير الرياضة المــــصرية:
ليست الكرة وبطولاتها ولا الانتصارات أو الأهداف والنجوم أجمل مافي نادي الزمالك إنما الأجمل هو تاريخه .... حكايته ومشواره طوال عشرات السنين قاربت المائة سنة...........حروبه من أجل الكرة المصرية ومن أجل حق المصريين في ممارستها دون خوف وحقهم في إدارتها بأنفسهم بعيدا عن كل الغرباء والخواجات والأجانب .وقد كان تمصير الكرة المصرية هو أغلى وأجمل وأهم بطولة حققها الزمالك.
لهذا..لايزال هذا النادي الكبير يستحق منا ما هو أهم وأكثر من مجرد رصد لبطولات أو أسماء أو أهداف .....لايزال نادي الزمالك يستحق رد اعتباره بعد سنوات طويلة مضت تخيل أثناءها الجميع جيلا وراء جيل أن الزمالك إن لم يكن في الأصل ناديا للخواجات فهو على الأقل لم يقم بأي دور وطني مثل النادي الأهلي ! وطبعا هذا ماحاول كثيرا اللوبي الأهلاوي غرسه في عقول ونفوس المصريين جميعا !!
كذبة تحولت مع الوقت الى واقع وبدت كأنها حقيقة ... وإن كنت على استعداد ان أفهم أن تصحيح هذه الكذبة و رد الاعتبار التاريخي والوطني لنادي الزمالك لم يشغل أيا من المهتمين بالتأريخ للكرة المصرية ومشوارها وحكاياتها .... فإن مايصعب فهمه أو قبوله هو هذا الصمت الغريب والطويل الذي التزم به نحن عشاق الزمالك وأنصاره ومحبيه من الكتاب والمفكرين والمؤرخين....كأنهم جميعا خافوا أن يفتحوا هذا الموضوع فاكتفوا بالزمالك كفريق للكرة وبقية اللعبات الأخرى ... وقرروا تجاهل ناديهم كمؤسسة لها دورها وتاريخها ومكانتها فوق أرض هذا الوطن ....أو كأن كثيرين منهم وجدوا أن تصحيح حقيقة وتاريخ الزمالك أمر فوق طاقتهم وجهدهم واحتمالهم!
وقد آن أوان أن نرد للزمالك اعتباره وحقه الضائع ....آن أوان أن نعرف وأن نثق بأن هناك ماينبغي أن يقال عن نادي الزمالك أهم من حكاية المدرسة واللعب والفن والهندسة....ومن النادي قاهر الفرق الأحنبية...بل وأهم حتى من تاريخ التأسيس وحكاياته الأولى.
فحتى الآن .... كثيرون لا يعرفون الدور التاريخي الذي لعبه نادي الزمالك لتمصير الكرة والرياضة .
بدأ هذا الدور سنة 1914
كانت الحرب العالمية الأولى لا تزال في بدايتها... الكرة المصرية -والرياضة المصرية كلها-كانت لاتزال في سنواتها الأولى ...... يسيطر عليها ويديرها اتحاد مختلط يحكمه خواجات وغرباء لا يسمحون بوجود أي مصري بينهم ... والزمالك في ذلك الوقت لم يكن سوى نادي صغير تأسس منذ ثلاث سنوات فقط وليس فيه أو ينتمي اليه إلا عدد قليل جدا من المصريين.
في ذلك الوقت كان هناك لاعب مصري عظيم اسمه"حسين حجازي" قد أسس فرقة كروية خاصة به وبدأت هذه الفرقة تلاعب القوات البريطانية.
ولم يعد ممكنا |أن يستمر لاعبو فريق مصر-أو فريق حجازي-دون أن يكون لهم نادي خاص بهم يجمعهم ويمنحهم كيانا و صفة رسمية ...فكان نــادي الــزمــالــك - أو المختلـــط وقتها -هو الذي فتح أبوابه أمام هؤلاء المصريين المتحمسين.
وبالفعل انتقل هؤلاء الشباب للزمالك وكانت خطوة شجعت إقبال كثير من المصريين للانضمام لهذا النادي الجديد والانتماء اليه وتشجيعه.
وكان التحاق هؤلاء اللاعبين بالزمالك خطوة مهمة وضرورية جدا على طريق تمصير الرياضة المصرية ..... وسرعان ما اكتسب الزمالك أنصار له ولتمصير الكرة المصرية قدموا من كل مكان .....منهم الضابط حسن فهمي إسماعيل, وموظف التلغرافات عبده الجبلاوي , والفلاح محمود محمد بسيوني , وموظف التنظيم نيقولا عرقجي , وموظف وزارة الأشغال إبراهيم عثمان نجل المطرب الشهير وقتها محمد عثمان , ومحمود مرعي , وأمين جبريل , وعائلة سوكي , وعائلة إسماعيل باشا حافظ ....وكثيرون غيرهم.......هؤلاء كانوا بداية نادي الزمالك.
وفي سنة 1916 ... بدأت فكرة الكأس السلطانية كمسابقة للأندية المصرية وأندية أسلحة قوات الحلفاء....ورفض الأهلي الفكرة لأنه لا يود اللعب مع أندية الحلفاء...ليبقى الزمالك وحده ....وفي العام الثاني للمسابقة كان الأهلي قد اقتنع بضرورة المشاركة كخطوة جديدة للمقاومة والتحدي وإثبات وجود للمصريين ....ثم بدأ الناديان - الزمالك و الأهلي - لا يتفقان فقط على مقاومة الاجانب.. وإنما اتفقا على التنافس بينهما أيضا! ... فتم الاتفاق على إقامة مباراتين .... الأولى على أرض نادي الزمالك يوم 9 فبراير 1917 وفاز فيها الأهلي 1-صفر ... والثانية على أرض الأهلي يوم 2 مارس 1917 وفاز فيها الزمالك 1-صفر .
في نفس تلك السنة ..1917..بدأ المصريون معركتهم الفاصلة لتحرير نادي الزمالك من سيطرة الاجانب.....اجتمع المصريون وقرروا ان الزمالك أصبح في حاجة إالى مراجعة أحواله واوضاعه استنادا إالى اثنتي عشرة نقطة منها..أن أرض النادي ملك للحكومة المصرية وأن مدة الإيجار انتهت ولم يجددها احد وأن مجلس إدارة النادي لم يجتمع منذ مدة طويلة والجمعية العمومية للنادي ايضا لم تجتمع منذ سنتين... وأن اعضاء مجلس الإدارة كلهم من الاجانب .....ولا توجد سجلات للنادي إلا في مكتب السكرتير العام البلجيكي مسيو شودواه مدير شركة "بولاك" ...وأن النادي ليس له حسابات ولا أرصدة في البنوك...وليس هناك أي سجل للأعضاء... والنادي ليس فيه إلا ملعب للكرة وملاعب للتنس وغرفة صغيرة للملابس وعفشة مياه.......وأسوار النادي قديمة ومحاطة بلوحات إعلانية تملكها شركة إعلانات وليس هناك قانون مطبوع للنادي.
بهذه النقاط بدأت المعركة...........لم تكن معركة تمصير الزمالك .......ولكنها كانت الرهان على تمصير الكرة في مصر كلها.
وبدأت المعركة بعقد جمعية عمومية للنادي بشارع الشواربي وصدر عن الجمعية قرار بسحب الثقة من مجلس إدارة النادي المكون من الخواجات وانتخاب مجلس إدارة جديد من المصريين ...الدكتور محمد بدر رئيسا , ومصطفى حسن وكيلا , و 'براهيم علام أمينا للصندوق...أما الأعضاء فكانوا نيقولا عرقجي,ومحمود بسيوني,وحسين فوزي,والكابتن حسن , وعبده الجبلاوي. وعقد مجلس الإدارة الجديد اول اجتماعاته وقرروا مواصلة المعركة.
جددوا عقد النادي باسم الرئيس الجديد ....أبلغوا النيابة باختفاء سجلات النادي فاستعادت النيابة هذه السجلات من مكتب مسيو شودواه وتم تحريزها ... وتم إعداد بطاقات جديدة للعضوية.
وأثناء ذلك كله وكل هذه الإجراءات والخطوات تمت والنادي نفسه في حراسة 20 رجلا من أبناء بولاق الأشداء قرروا وتطوعوا لحماية ناد مصري والحفاظ عليه وعلى مصريته...وتدخلت وزارة الداخلية ومستشارها الإنجليزي...تدخلت أكثر من سفارة أجنبية في القاهرة...ولكن لم يتراجع المصريون ولا استسلم أبناء الزمالك!
ونجحت أولى معارك تمصير الكرة والرياضة المصرية!
وبفضل الزمالك....لم يعد هناك مكان للاجانب أو الخواجات .
هذه الحكاية وألف حكاية أخرى لم يهتم بها ولم يتوقف عندها احد ......ولو توقفوا واهتموا وعرفوا لأدركوا أن أي حديث عن الزمالك وتاريخ الزمالك ..إنما هو في حقيقته جزء مهم من تاريخ مصر !! وفصل ضروري من تاريخ الكرة والرياضة المصرية ....فتاريخ الزمالك ليس إلا حدوته مصرية ......فيها رائحة مصر......تاريخها وتناقضاتها وأحزانها ومعاناتها وأحلامها وأفراحها.....فالزمالك هو النادي الذي امتزجت فيه كرة القدم بالسياسة والتجارة والجيش والحب والثورة والزحام والفقراء والاغنياء..
الزمالك باختصار ...هو اختصار خمس وتسعين عام من عمر مصر...اختصار لمعاناة وأحزان المصريين مع الاحتلال الانجليزي والمحاكم المختلطة...اختصار لحكاية مصر مع الملك فاروق ....اختصار لثورة مصر وزمن المشير عبد الحكيم عامر....اختصار لحلم الشباب المصري بالسفر والهجرة والثروة .....اختصار للكرة المصرية في زمن الانفتاح والاحتراف والتجارة....اختصار لأحزان مصر الطويلة والموجعة يجيء في نهايتها شرف الفوز وبهاء الانتصار.
وإذا كانت مصر قد غيرت اسمها ثلاث مرات وديانتها ثلاث مرات فإن نادي الزمالك قد غير اسمه أربع مرات...وموقعه ثلاث مرات!!
جرى ذلك كله عبر خمس وتسعين عاما فاضت بكل معاني الحب والانتماء..